وشهد العامان الماضيان تقاربًا ملحوظًا بين السعودية من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، وجاء تطور هذه العلاقات بعد انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي غالبًا ما هاجم بعض سياسات الرياض.

في بداية الأزمة الأوكرانية وبدء التدخل العسكري الروسي هناك، كان موقف السعودية غامضًا، ثم سرعان ما ظهر أنها محايدة، رغم أنها رفضت زيادة إنتاجها النفطي لتعويض النقص الذي سببته الحرب. كما أنها لم تعلن رسميًا عن فرض عقوبات على موسكو.

من جهة أخرى، نمت علاقة الرياض مع بكين، ووصلت إلى ذروتها بتوقيع اتفاقيات تجارية بين البلدين. كما أشارت تقارير صحفية إلى أن السعودية تدرس قرار تسعير النفط باليوان الصيني وليس بالدولار.

مصالح مشتركة

أثار تقارب الرياض مع بكين وموسكو، وفي الوقت نفسه فتور العلاقة مع إدارة بايدن، تساؤلات حول ما إذا كان هذا التقارب هو بداية تحالف استراتيجي، أم أنه مجرد تهديد لإدارة بايدن؟ كما أثيرت تساؤلات حول دوافع الرياض لهذا التقارب وأسبابه.

يرى الكاتب والباحث السياسي السعودي، مبارك العاطي، أن “العلاقات الاقتصادية والتجارية المتنامية بين البلدين مكّنتهما من إقامة علاقات سياسية وتعاون وتنسيق سياسي بين هاتين القوتين ؛ السعودية كقوة إسلامية والصين. كقوة عظمى في العالم “.

وأوضح خلال حديثه لـ “عربي 21” أن “فهمهم المشترك لتوجهاتهم السياسية وطموحهم واحترام القرار السيادي لكل منهم وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة، مكّن الرياض و بكين تقيم علاقات متميزة تقوم على الاحترام المتبادل والمساواة “.

وأضاف: “عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ المملكة في عام 2016، قال بشكل شهير:” يجب أن نكون شركاء استراتيجيين يثقون ببعضنا البعض. “وأعتقد أن المملكة العربية السعودية والصين تمكنت من إقامة علاقات استراتيجية متميزة تقوم على تعظيم المتبادل. المصالح، والبناء على ما تشترك فيه ودعم مصالحها الاقتصادية المشتركة.

وأشار إلى أن “السعودية تعد الآن الشريك الاقتصادي الأول للصين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للعام الثالث عشر على التوالي، كما أنها المصدر الأول للنفط للصين، بالإضافة إلى المعاملات التجارية بين البلدين”.

وتابع: “خلال التطورات الأخيرة التي شهدها المجتمع الدولي، أثبتت العلاقات الصينية السعودية أنها صمام أمان لأمن واستقرار منطقة الخليج العربي، وأنها تمثل ضمانة للعديد من القضايا في المنطقة العربية. العالم والشرق الأوسط وآسيا وجنوب آسيا “.

اقرأ أيضا:

تطوير العلاقات

من جهته يرى مدير مركز دراسات الخليج في قطر محجوب الزويري أن هذا التقارب ليس انفتاحا بل تطور في العلاقة ودفعها بخطوات قوية أهمها المغادرة. المربع الأمريكي والغربي المكلف سياسياً واقتصادياً، ولكن في نفس الوقت هناك محاولة لإبقاء خيارات العلاقات مفتوحة، أي أن العلاقة مع دولة على حساب دولة أخرى.

وبشأن موقف السعودية من العقوبات على روسيا، قال الزويري لعربي 21: “إن فرض عقوبات على روسيا سيضر بالاقتصاد العالمي، بما في ذلك الدول ذات الاقتصادات الكبرى، وتلك الدول تعرف ذلك، ولا شك أن دول الخليج كما أعرب عن قلقه من انعكاسات هذه الأزمة على اقتصاداتها، لذلك حرص على موازنة المواقف لتلافي الانعكاسات الاقتصادية والسياسية.

الصراع مع إدارة بايدن

وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة “” “الأمريكية مقالاً لهيئة التحرير تتساءل في عنوانها كيف خسر بايدن السعودية.

ووصفت الصحيفة في مقالها الذي ترجمه عربي 21 تعامل إدارة بايدن مع السعودية بأنه “غبي”. جاء هذا الوصف، بحسب الصحيفة، بعد أنباء عن نية الرياض استخدام اليوان بدلاً من الدولار في تعاملاتها النفطية.

وأشار المقال إلى أن إدارة بايدن تخرب العلاقة مع السعودية من حين لآخر بكل الوسائل، مؤكدا أن السعوديين سئموا من هذا الأمر.

ولفتت الصحيفة إلى أنه من بين الأسباب التي ساهمت في فتور علاقة الرياض بإدارة بايدن، انتهاء الدعم الأمريكي لحرب المملكة العربية السعودية ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.

ومثلما أزالت الحكومة الأمريكية الحوثيين من قائمة الإرهاب، أرجأ البيت الأبيض أيضًا بيع الأسلحة المقرر للرياض، وهي صفعة في وجه الأمن السعودي لم يكن من الممكن التراجع عنها حتى أواخر العام الماضي، وفقًا للصحيفة.

وأشارت إلى أن بايدن ومستشاريه يقولون إن الأمر كله يتعلق بحقوق الإنسان.

يثير التقارب السعودي الصيني الروسي، فضلاً عن برودة العلاقة مع بايدن، التساؤل حول ما إذا كانت علاقة السعودية بالصين استراتيجية أم أنها مجرد تهديد للرئيس الأمريكي؟ كيف ستستجيب واشنطن؟

واعتبر الباحث السياسي السعودي مبارك العاطي أن “علاقة الرياض ببكين استراتيجية لمصلحة البلدين الصديقين، مؤكدًا أن هذه العلاقات ليست مبنية على أنقاض علاقات أخرى وليست موجهة ضد أي دولة أخرى”.

وأضاف: “هذه العلاقات تصب في مصلحة علاقات المملكة مع بقية الدول، حيث أن المملكة ملتزمة بمواصلة علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تم بناؤها على مدى ثمانية عقود”.

وتابع: “كمراقب، أرى أن السعودية تؤمن دائمًا بأن علاقاتها مع أمريكا كدولة وليس مع الرئيس، خاصة وأن إدارات البيت الأبيض تتناوب وتتغير، وبالتالي تنوي المملكة إقامة علاقات متينة”. مع أمريكا كدولة وحليف استراتيجي، إيمانا منها بأن الرؤساء يخلفون رئيسًا تلو الآخر، فتلتزم المملكة بمواصلة هذه العلاقات.

ويرى العاطي أن “الرياض تقيم علاقات استراتيجية تاريخية مع أمريكا، وتسعى في الوقت نفسه إلى إقامة علاقات استراتيجية مع روسيا والصين”.

من جهته، أشار جو ماكرون الباحث في الشؤون الأمريكية والشرق أوسطية، إلى أن المشكلة الرئيسية في العلاقات الأمريكية السعودية أكثر مما هي في التقارب السعودي مع روسيا والصين.

وأوضح، خلال حديثه لـ “عربي 21″، أن واشنطن “تفضل إعطاء الأولوية في الصفقات التجارية، لكنها لا تعترض على تقارب الرياض مع موسكو وبكين ما دام لا يضر بالمصالح الأمريكية”.

والأهم من ذلك، حتى لو تأثرت العلاقات الأمريكية السعودية سلبًا، كما هو الحال في ظل إدارة بايدن، فإن أمن الخليج لا يزال يعتمد بشكل أساسي على واشنطن، وبالتالي لا تستطيع الصين وروسيا منافسة أمريكا في هذا السياق.

اقرأ أيضا: