ويمثل تصريح النائب التونسي سالم الأبيض حول “الحركة الشعبية” الداعمة لرئيس البلاد قيس سعيد سالم الأبيض الخميس الماضي بشأن الاستشارة الإلكترونية فرصة جديدة للتشكيك في جدواها ومصداقيتها.

وقال سالم الأبيض إن “الاستشارة الوطنية مضيعة للوقت وعديمة الجدوى”، مبينا أنها “لا تخضع لشروط علمية وأن الغالبية لا تعنى بها، وهي أسئلة عشوائية لا تستجيب لها”. معايير النموذج أو الاستبيان ومن الأفضل التخلي عنها “.

أعلن الرئيس التونسي، قيس سعيد، في 13 ديسمبر / كانون الأول من العام الماضي، أنه قبل الاستفتاء على مسودة الإصلاحات الدستورية وغيرها، سينظم مشاورة وطنية إلكترونية تبدأ في أوائل يناير / كانون الثاني 2022 وتنتهي في 20 مارس / آذار.

وشدد قيس سعيد في أكثر من مناسبة على أهمية هذه المشاورة، ودعا إلى المشاركة المكثفة فيها، معتبرا أن “المشاركة المكثفة في المشاورة الوطنية هي ما سيمهد الطريق نحو مرحلة جديدة في تاريخ تونس”.

المعارضة متشككة وتدعو للمقاطعة

ودعت المعارضة في تونس إلى مقاطعة الاستشارة منذ إعلانها، مستشهدة بهذا الطلب لأن “أسئلتها مخصصة للحزب الذي دعا إلى تنظيمها والمسيطر على مجملها بما في ذلك نتائجه”.

وصدرت تصريحات عديدة عن أحزاب النهضة والتيار الديمقراطي والجمهوري والعمالي تشكك في نزاهة الاستشارة وشفافية المشاركة فيها ومصداقية نتائجه، فيما تحدث مختصون عن مخالفات قانونية من حيث الشكل والمضمون. الاستشارة.

وفي هذا السياق، قال عدنان الكرايني الباحث القانوني في جامعة المنار بتونس لعربي 21: “إن عدم وجود نص قانوني ينظم هذه العملية هو أهم ثغرة قانونية فيها. ومن البديهي أن أي يتم تنظيم الإجراءات التي تتخذها الدولة بشكل عام والتي تهم السياسات والخيارات الرئيسية بشكل خاص، ولكن من خلال النص القانوني، يبدو أن هذه الاستشارة الوطنية التي قدمها الرئيس التونسي كانت عملية معزولة عن السياق القانوني التشريعي للبلاد.

وأضاف: “يمكن للاستشارة تصنيف ملف فساد، لأن منصتها الرقمية اكتملت خارج الإطار القانوني للصفقات العامة، حيث لم يتم نشر أمر فتح طلب تقديم العروض، ولم يتم نشر ميزانيته حتى الآن. بتسخير كافة إمكانيات الدولة لخدمة مشروع شخصي، نحن أمام سلسلة أعمال يمكن تصنيفها على أنها جرائم فساد وتلاعب بالمال العام واردة في الفصول من 96 إلى 99 من قانون العقوبات.

من جهة أخرى، يرى أحمد الذوادي عضو المكتب التنفيذي لحركة “وطن عادل” الداعمة لسعيد، أن “الاستشارة ليست بدعة من السلطة الحالية وليست التجربة الأولى في تونس، كما سبق إنشاء موقع البوابة الإلكترونية الحكومية للمواطنين لإبداء آرائهم في بعض مشاريع القرارات الحكومية “.

وحذر ناشطون من اشتباه تكليف شركة فرنسية بالإشراف الفني لاستكمال الاستشارة دون المرور بنظام المشتريات العامة.

يشار إلى أن رئيسة “الحزب الدستوري الحر”، عبير موسى، اتهمت قيس سعيد بتوظيف تطبيق الاستشارات الإلكترونية “لأغراض ذاتية”، واصفة إياه بـ “الاحتيال التاريخي”.

أعداد ضعيفة

ولم يتجاوز عدد المشاركين في الاستشارة الوطنية الإلكترونية 270 ألفا بعد أكثر من شهرين من تاريخ إطلاقها وقبل أقل من أسبوعين من تاريخ انتهائها، بحسب الإحصاءات الرسمية المنشورة على موقعها الرسمي.

وتظهر الإحصائيات أيضا ترددا كبيرا لدى التونسيين بالخارج للمشاركة حيث لم يتجاوز عدد المشاركين 5000 من إجمالي 1400 ألف تونسي بالخارج.

وكانت السلطات التونسية قد دعت التونسيين إلى المشاركة بقوة في هذه المشاورة، وسخرت إمكانيات كبيرة لإنجاحها.

والاستشارة مفتوحة لجميع التونسيين المهتمين بالانتخابات، وعددهم أكثر من 8 ملايين تونسي، قبل أن يتم توسيعها لتشمل الفئة العمرية بين 16 و 18 سنة، الذين لا يحق لهم التصويت.

وأرجع سعيد عدم المشاركة إلى “صعوبات فنية”، واتهم جهات تريد “إسكات الأفواه وإجهاض هذه التجربة، الأولى من نوعها في تونس”، بتعطيلها.

وكان وزير تكنولوجيا الاتصالات قد صرح في وقت سابق “لا توجد مشاكل فنية مذكورة في موقع الاستشارة”.

وفي هذا السياق، قال أحمد الذوادي، عضو المكتب التنفيذي لحركة وطن عادل، لـ عربي 21 إن “عدم المشاركة يعود إلى كون الدعاية كلاسيكية ومحتوياتها مملة، بالإضافة إلى الحملات. من التشويه والتشويه الذي تعرضت له “.

وأضاف: “كما أن مصاعب الحياة اليومية تجعل الإرشاد خارج أولويات المواطن العادي”.

جدل مستمر

منذ الإعلان عن الاستشارة الإلكترونية الوطنية، تم طرح العديد من الأسئلة حول أهدافها ومصداقيتها، خاصة في ظل ما كشفه المختصون عن ثغرات فنية تؤثر على سلامة النتائج المتعلقة بها، وقد ازدادت هذه الأسئلة بسبب ضعف الطلب عليها.

وفي هذا السياق، قال نزار الحبوبي، عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة، إن “الهدف لم يكن منذ البداية التشاور مع المواطنين بقدر ما كان البحث عن آلية لتمرير الخيارات السابقة لقيس سعيد. حول ذلك بقدر ما يبحث عن غطاء لتنفيذ أجندته الخاصة.

وأوضح الحبوبي في تصريح لـ “عربي 21” أن “فشل الاستشارة يكمن في طريقة تقديمها منذ البداية، لذا لم تحظ باهتمام المواطنين”.

ويرى عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة أن رئيس الجمهورية سيتجاهل هذا الفشل وسيواصل الاعتماد على نتائجه، رغم افتقارها للمصداقية، لمواصلة طريق الاستيلاء على السلطة، على حد تعبيره.
من جهة أخرى يرى أحمد الذوادي عضو المكتب التنفيذي لحركة “الوطن العادل” أن “تقديم استشارة وطنية لمعرفة أولويات المواطنين هو أمر مهم لمساعدة الحكومة في تحديد أولويات عملها، وقد يساعد اللجنة التي يكلفها رئيس الجمهورية في صياغة مشروع دستور جديد للبلاد “.

ويضيف الذوادي: “الاستشارة ليست استفتاء على نظام سياسي أو دستور جديد كما فهم البعض، وبالتالي فإن عدد المشاركين ليس مهما، وكان رئيس الجمهورية واضحا منذ البداية أنه يريد فهم الاتجاهات الرئيسية للشعب التونسي، ويكفي هنا أن تكون العينة ممثلة لمختلف شرائح المواطنين للحصول على موافقتها “. .

وتجدر الإشارة إلى أن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، صرح خلال مؤتمر المنظمة الشهر الماضي، أن “الاستشارة الوطنية الإلكترونية لا يمكن أن تحل محل الحوار”.